الخميس، 25 يونيو 2015


جامـــــــــــــــعة بــــغــــــــــــداد
كلية اللغات/ قسم اللغة الفارسية





الحوار والتنمية البشرية
في النصوص الفارسية المترجمة






اسم الباحث
المدرس الدكتور رحيم مزهر العتابي
1434هـ / 2013 م

المقدمة
        الحوار والتنمية البشرية هما مصطلحان لاينفك احدهما عن الاخر كون التنمية البشرية وبناء الذات هو الاساس للمقاربة مع جميع الحالات وهذا هو ما يبنى عليه الحوار لذا على النخبة ان يتمتعوا بكيفية الحوار من خلال بناء الانسان اولاً او بالاحرى بناء الذات ليستطيع الانسان مقاربة الاشياء ومن خلاله يمكن صناعة الرأي العام وتوجيهه للاعتدال واحترام الاخر وهذا هو جوهر الاسلام الاصيل لفهم الاخر، ومن هنا تأتي الترجمة لتبني جسوراً بين الجماعات البشرية المختلفة من خلال قرآءة نصوص الاخر وفهمها فتيسر التواصل والتفاعل بينهما، سواء أكان هذا التفاعل اقتصادياً أو ثقافياً أو اجتماعياً. فالترجمة هي البوابة التي تعبر منها الذات إلى الآخر أو يقتحم الآخر الذات، وبهذا تعمل الترجمة على تيسير التنمية البشرية. ولا تقتصر فائدة الترجمة على إثراء الثقافة المتلقية وإنما تمتد كذلك إلى خدمة الثقافة التي نُقلت منها النصوص. فالترجمة تَهَبُ النصَّ الأصلي وجهاً جديداً وتمنحه حياة جديدة في محيط ثقافي جديد. وهكذا يصبح النقل اللغوي انتقالاً وتحولاً وتلاقحاً وتناسلاً للمفاهيم والأفكار في أفضية متجددة ، وفي حالة النزاع والصراع، تتصاعد الحاجة إلى الحوار والتفاهم من أجل التعايش بسلام. ويكون الحوار، الذي هو نقيض الحرب، وسيلة الخروج من المأزق. والحوار بحاجة إلى الترجمة ليتم التواصل والتفاهم بين المتحاورين الذين هم نتاج سياقات ثقافية واجتماعية وسياسية مختلفة وأولى مسلَّمات الحوار هي أن الآخر مختلف عن الذات. وهذا يقتضي اعتماد قاعدة القبول بوجود الآخر واحترامه، والاعتراف بأن الحقيقة الفكرية ليست مطلقة وإنما نسبية وأن لا احد يمتلك الحقيقة كاملة. والترجمة ذات أثر نفسي إيجابي في هذا المجال إذ تقرّبنا من الآخر في تعبيراته المختلفة وتجلياته المتعددة وتساعدنا على رؤية آفاق جديدة وقيم جمالية متباينة في عالمنا المشترك، ما يساعدنا على قبول الآخر واحترام الاختلاف والاحتفاء بالتعدد.
   

 المدخل

      في تقديرنا أن احد أهداف الرسالات السماوية تتمثل في الدعوة للسلام بين البشر،بغض النظر عن أديانهم وأصولهم العرقية واختلاف ألسنتهم وألوانهم،ولعل تسمية خاتم الرسالات السماوية بالإسلام خير إشارة إلى الدعوة للسلام بين بني الإنسان،"إن الدين عند الله الإسلام"والإسلام من السلم،والسلم والسلامة أصلهما واحد وهو الخلو من العيوب والآفات والابتعاد عن الحروب والصراعات وتلعب الثقافات دورا كبيرا في تيسير عمليات التنمية أو تعويقها،فالمجتمعات التي تتوفر على ثقافات انفتاحية أكثر تقبلا لبرامج التنمية وأنشطتها،من المجتمعات التي تتسم بالانغلاق والتشدد والمحافظة على الموروث الثقافي القديم.
     فهذا شاعرنا الايراني ابو المجد بن مجدود بن آدم سنائي الغزنوي والذي يعتبر أول الشعراء المتصوفين الثلاثة العظام ممن كتبوا المثنويات في إيران.  والذي يدعوا في شعره الى تطهير النفس البشرية والتخلص من القيود مبيناً ان الحق مطلق لايملكه احد وهذه هي النصوص الشعرية وترجمتها:-
بهرچ از راه دور افتی چه کفر آن حرف و چه ایمان
بهرچ از دوست وا مانی چه زشت آن نقش و چه زیبا
سخن کز روی دین گویی چه عبرانی چه سریانی
مکان کز بهر حق جویی چه جابلقا چه جابلسا
چو تن جان را مزین کن به علم دین که زشت آید
درون سو شاه عریان و برون سو کوشک در دیبا
ترجمة النص:-
كل ما عن الطريق نأيت فتبين
إن كان كفراً أو إيماناً قولاً رميت
وإلى حيث قصدت وعن المحب جفيت
أنظر أحسناً فعلت أم قبحاً نويت
ولأجل الدين فأتبع
سواء كنت يهودياً أم نصرانياً
وأسع في طلب الحق أينما كنت
في شرق الأرض وغربها
فزيّن الروح وجملها بنور الدين
فأن الروح تصدأ كالجسد الطين

نص آخر:-
هر که را بوییست همچون عود بر آذر نهید
نفس را چون بر جگر آبیست آتش در زنید
عقل را چون بر کله پشمیست بندش بر نهید
ور درین مجلس شما عاشق‌تر از شمع و می‌اید
پس چو شمع و می قدم در آب و آتش در نهید
می قبای آتشین دارد شما در بر کشید
شمع تاج آتشین دارد شما بر سر نهید
ز حرص و شهوت و کینه ببر تازان سپس خود را
اگر دیوی ملک یابی وگر گرگی شبان بینی
ور امروز اندرین منزل ترا جانی زیان آمد
زهی سرمایه و سودا که فردا زان زیان بینی
زبان از حرف پیمایی یکی یک چند کوته کن
چو از ظاهر خمش گردی همه باطن زبان بینی
گر اوباش طبیعت را برون آری ز دل زان پس
همه رمز الاهی را ز خاطر ترجمان بینی
مرین مهمان علوی را گرامی دار تا روزی
چو زین گنبد برون پری مر او را میزبان بینی
به حکمتها قوی پر کن مرین طاووس عرشی را
که تا زین دامگاه او را نشاط آشیان بینی
نظرگاه الاهی را یکی بستان کن از عشقی
که در وی رنگ و بوی گل ز خون دوستان بینی
که دولتیاری آن نبود که بر گل بوستان سازی
که دولتیاری آن باشد که در دل بوستان بینی

          حيث يتضح في هذه الابيات الشعرية إن سنائي الذي أشرق عليه نور العرفان، متحرراً من قيد المغريات الدنيوية، منهمكاً في إرشاد وتوجيه الناس، فهو لهم المرشد صوب الحقيقة المطلقة، وأن سنائي هذا كأي معلم أخلاقي، يهاجم رذائل النفس البشرية، وتجنب نفسه من كل ما يعيق تساميه ورفعته الروحية، ويستخدم جميع مظاهر الوجود لبيان تعابيره العرفانية (الصوفية) في الصبر والتوكل والطاعة، واجتناب المعاصي والمغريات وكما يشير لذلك في كتابه الكبير حديقة الحقيق، والذي يبدع فيه بأحاديثه الحكيمة الممزوجة بالحكايات والأمثال لكي تصبح الحقائق أكثر وضوحا ويحاسب سنائي أحياناً، كالمعلم في حلقة درسه، الأشخاص الذين قد أخذ على عاتقه تطهير نفوسهم، بغضب ودون مداهنة، ليزيل وبقساوة وغلظة خبث سرائرهم وأن الإنسان لن يصل إلى مقام القرب الإلهي ، ولن يعرف الحق حق معرفته طالما لم يترك التعالي والخيلاء، ويحرق في نفسه بقايا الغرور وحب النفس والهوى، ويتطهر من شوائب العادات مستغرقاً في عالم روحي، وأن يحرر الروح من أسر المادة وقيودها و أن يتجنب الإنسان من الغرور والتكبر، وأن يكبح جماح وتمرد تلك الغريزة الحيوانية والتي تسعى دائماً وراء التشبث بمغريات وملذات هذه الحياة الزائلة، وأن يميتها في نفسه، ولم يجوزوا فقط الابتعاد واجتناب هذه الملذات المادية لتزكية النفس وصفاء الباطن وتنقيته بل كانوا يقولون أن النفس ذات شيطانية، ويجب مجابهة شرورها ووساوسها الدنيوية، وأن الروح مزيج من الجيد والرديء كالمعادن غير النقية والتي تنصهر إذا القيت في بودقة ومنصهر التجربة، فتذيب البودقة كل الشوائب، ويصبح الذهب صافياً نقياً، بيد أن ما يسلب القلوب ويفتن الناس على حد سواء، ويصبحوا عشاق هذا العارف الولهان هي غزلياته الجياشة والحماسية، وقد امتزجت سوية معالم الهجران والشوق واللوعة مع آهات المصاب بألم الفراق، ويقطر الدمع من قلبه على الورق بهيئة الشعر، ولهذا السبب تمتاز زفرة المتألم والمصاب، بتأثير يهتز قلب الإنسان لأبياته المؤثرة وتغمره النشوة التي هي سمة من سمات العالم الآخر، العالم الذي لا يتطرق الحديث فيه سوى الحديث عن العشق والاشتياق، والعشاق اليائسون هم وراء لحظات عدة لكي يتحرروا من كل هذا الغم المؤلم والآلام الروحية، ومن العجيب أن كل هذه المصائب هي لها مذعنون مسلمون، لأن كل بلاء ومحنة تزيل شوائب الروح فيهم، وتقربهم أكثر إلى الحقيقة المطلقة فهي عين ذات الطمأنينة ومحض السعادة وفي وسط ذلك ظهر أيضاً التصوف والعرفان بإشراقة جديدة. ولكن مع هذا التنوع تغيرت الحياة الروحية الخالصة إلى عالم الجدال والنزاع بين الفرق والطوائف المختلفة والتي لكل منها طابع ديني خاص بها، وبدل أن يسيروا بحثاً عن الحقيقة المطلقة، وكما كان يقول حافظ أنهم قد ابتدعوا أثنتين وسبعين فرقة  وهم في نزاع وجدال مع بعضهم البعض سالكين طريق الضلالة والباطل أن مظاهر الحياة المادية وحجب ظواهر الشريعة والتي تقمص بها الفكر الخامل هي المانع من العروج الملكوتي لطائر الفكر والتأمل والوصول إلى الحقيقة المطلقة، والتي منعته من حرية التحليق والعروج مثل القيود التي تكبل بها الطيور خفيفة الطيران. وكما يقول لسان الغيب حافظ الشيرازي أن تراب الجسد وغباره قد حجب ملامح الروح، وفي هذا المعنى دلالة لطيفة وفكر بليغ وهذا الغزل الذي يحكي عن جميع الآلام والمحن الروحية التي يمر بها المريد والسالك لكي ينصهر وجوده وكيانه في منصهر الاختبار والمحنة ويحكي عن النار التي تحرق كل الغرور والرياء والتظاهر والزيف وتطهره من غبرة الخبائث والشوائب. وهذه هي ترجمة النص الشعري والذي تعبر عن هذه الحالة التي تمحور عليها الشاعر:-
ترجمة النص:-
وجرب كل من له رائحة مثل عود العطر (البخور) فضعه على النار
والنفس نقية عندما تصطدم بنار الغم وتوقدها
فأعزم بالعقل وأجعله كغطاء رأسك
فأحتضن الخمرة ذات الثوب اللاذع
وأجعل الشمع على رأسك فأنه كالتاج ذي شعلة
أو يقول فأزل الحرص والطمع والبغض عن أهل العشق
ثم أنظر إن كان عفريتاً فكن ذي سلطة ، وإن كان ذئباً فكن الراعي
فأحجم عن النطق لسانك ولا تحكم به
وأنظر إلى باطن الأشياء وأن تبدو ظاهرها صامتاً
فإن كانت لك طبيعة الأوباش ، فأنزع من القلب تلك الضغائن
وأنظر بفكرك معبراً عن الرموز الإلهية جميعها
فأنظر بنظرة عشق إلهية لأحد البساتين
فأن فيه طبع وزهو الورد من دم الأحبة
ليس السعادة أن تنظر إلى ورد البساتين صورة
ولكن السعادة أن تنظر إلى قلب الخميلة وجوفها

     وهذا نص آخر يكشف إن سنائي ذلك الزاهد تحرر من كل قيد، وأضرم النار في بقايا حب النفس في نفسه، وانعتقت روحه من أغلال المادة، وبلغت رحاب الحضرة الإلهية، فهو يرى كل شيء في عالم الوجود جميلاً زاهياً نقياً، فهو يجد الحقيقة المطلقة متجلية في المخلوقات، ويجد آثار الوجود من ورد وخضرة وخمرة، وحسن الجميلات القاسيات القلب الناكثات العهد أشراقة من أنوار ملكوتية، وكما يرى حافظ  الشيرازي أن النور الإلهي متوقد في الخرابات ( )، فهو ذو قلب مبتهج على الدوام وروح ثملة دون خمر، عطوفاً محباً مع الجميع، لم يجد الحقد والخبث إليه سبيلا. كل ما يراه فهو خير محض، وأينما يحل فهو مصدر النقاء والسرور والبهجة، حب وعشق مجازي فحسب تجاه المغريات المادية التي هي الدافع ومبعث ذلك الحب، دون أن تخدعه أو تغريه تلك المغريات، وحيث أنه مقرب من جميع العشاق، مهتم بهم لكنه يعتبر أن هذا الحب المجازي وسيلة ترشده إلى الحقيقة والعشق الإلهي، وكما يقول أهل الكيمياء أن النار غمرت كل كيانه، أو كنار محت عن النحاس غبرته وعكرته، وجعلته ذهبا نقيا دون شوائب. هذا هو سنائي فهو قدوة أهل التصوف وإمام أهل الفكر وطليعة العرفاء. ذلك هو سنائي كتلة واحدة من الرقة والعطف، تقطر كلماته وجدا وهياما، وتسمع تمتمته كأنها نغمة معزوفات ملكويتة، ذلك هو سنائي حيث يقول:
ما باز دگر باره برستیم ز غمها
در بادیهٔ عشق نهادیم قدمها
کندیم ز دل بیخ هواها و هوسها
دادیم به خود راه بلاها و المها
اول به تکلف بنوشتیم کتبها
و آخر ز تحیر بشکستیم قلمها
لبیک زدیم از سر دعوی چو سنایی
بر عقل زدیم از جهت عجز رقمها
اسباب صنمهاست چو احرام گرفتیم
در شرط نباشد که پرستیم صنمها
ترجمة النص:-     
فعلينا التحرر كرة أخرى من الهموم
وقد وضعنا خطانا في صحراء  العشق
أجتثثنا من القلب جذور الأهواء والرغبات
وقد سلكنا طريق الآلام والبلايا
في البدء كتبنا الكتب بشق الأنفس
وفي النهاية حطمنا الأقلام  من الحيرة
وقد لبينا دعوة خالصة كسنائي
وقد جاوزنا العقل لضعفه
إن أحرمنا فعلينا معرفة علل القيود والأصنام
شريطة أن لا نعبد القيود تلك والأصنام

       ثم ننتقل الى الشاعر فريد الدين العطار وبناء الذات للتخلص من الانانية وهو شاعر فارسي متصوف مميز عاش في القرن الثاني عشر الميلادي. من أشهر أعماله منطق الطير. حقاً إذا لم يكن العطار مدركاً لعالم الحقائق غارقاً في ذلك العالم، لما قادته واقعة مثل هذه الحكاية والتي ينبغي لها أن تحدث، لكي تحرره من عالم المادة، وتقربه لعالم الحقيقة. وقد نظم العطار مثنويات جميلة ورائعة طيلة أيام حياته، وقد عبر بلغة بسيطة عن مراحل التصوف، والطاعة والقناعة، وعن ما معرفته ضرورية لسالك طريق الحق، وقد نظمها جميعاً ممزوجة بحكايات ممتعة وعذبة وجديرة بالسماع والتعلم. وقد أقتبس العطار من مصطلحات الحكماء والفلاسفة والكيميائيين والأطباء وعلماء الفلك، حتى أنه استخدم ما يتعلق بالعمل اليومي للتجار والمزارعين وظروف حياتهم العادية، وذلك لتوضيح المسائل العرفانية. فهو يعتبر الحب المجازي وسيلة للوصول للحب الإلهي والذي هو في أعتقاده له مقام رفيع وأن كل شيء يعد مكسباً جديراً بالاهتمام لأنه يحرر الإنسان من غروره وأنانيته، ويقوده نحو المعرفة الإلهية وتلك هي مرحلة النضوج التي بدأت من القرن الثالث الهجري ومابعده حين استحال التصوف الى علم للاخلاق الدينية يهدف الى الترقي بالنفس الانسانية لتبلغ كمالها. حيث يقول:-
باغبانی سه خیار آورد خرد
تحفه را پیش نظام الملک برد
خورد یک نوباوه را، حالی نظام
پس دوم خورد و سوم هم شد تمام
بودش از هر سوی بسیار از کبار
او نداد البته کس را زان خیار
باغبان را داد سی دینار زر
مرد خدمت کرد و بیرون شد به در
پس زفان بگشاد، در مجمع نظام
گفت خوردم این سه نوباوه تمام
پس ندادم هیچ کس را از کبار
زانکه هر سه تلخ افتاد آن خیار
می بترسیدم که گر گوید کسی
آن جگر خسته برنجد زان بسی
خوردم آن تنها و بر خویش آمدم
یک زمان من نیز درویش آمدم
پیشوایانی که سر افراشتند
پیش از این یا رب چه رحمت داشتند،
ترجمة النص:-
جلب بستاني هدية لنظام الملك
وكانت عبارة عن ثلاثة خيارات صغيرة
في الحال أكل نظام الملك إحدى الثمار اليانعة
ثم أكل الثانية والثالثة أيضاً أكلت
كان من حوله كثير من كبار الناس
لكنه لم يعط من تلك الخيارات أحداً قط
فأعطى للبستاني ثلاثين ديناراً من الذهب
ألقى الرجل التحية وخرج من الباب
فتكلم نظام الملك في المجلس
قائلاً قد أكلت هذه الثمار اليانعة جميعها
فلم أعط منها لأي أحد من الأكابر
لكون الخيارات الثلاثة سقطت جميعها مُرة
فكنت أخشى أن يقول أحد منهم لذلك المسكين عنها فيتألم كثيراً
فرفع القادة والزعماء ورؤوسهم عالية
وقالوا ما أعظم هذا يا رب وما أرحمه.
      وهذا الشاعر جلال الدين الرومي (محمد بن حسين بهاء الدين البلخي) (1207 - 1273) المعروف بمولانا جلال الدین الرومي. هو أديب وفقيه ومنظِّر وقانوني صوفي. عرف بالرومي لأنه قضى معظم حياته لدى سلاجقة الروم في تركيا الحالية حيث يرسم صوراً شعرية لحل المشاكل والصعاب بالتأمل والتفكر ليحاور الجميع مستشهداً بأن الجماد له سمع وبصر سوى انه ليس له لسان فكيف بالانسان الذي يملك العقل وهو سيد المخلوقات.
      وهذا النص الشعري الذي امتزج به عقل وعلم ومنطق ونفس وروح جلال الدين معاً، وكل ما يقوله يعبر ليس فقط عن رأي فلسفي وعرفاني، بل يبين المحن والابتلاءات الروحية التي تحدث للعارف والمتصوف، ويؤنسنا بلسانه العذب طارحاً آرائه مقرونة بالحقائق، وقد صاحب في الوقت نفسه ذلك الغليان وتحولات ذاته توجعه وشكواه، وبذلك العطش واللوعة الروحية التي أمتاز بها أثناء شرح عقائده للوصول إلى الحقائق وحفظها، يصبح جلياً أمامنا. وفي ذلك متعة روحية حيث أن الطبيعة والعقل والعواطف والمشاعر جميعها تساهم في تلك المتعة، وتحل جميع المشاكل والصعاب في دنيا الفكر والتأمل، لذا فنحن ننتفع من تجربة هذا العارف الكبير. وهذا هو النص:-
بر لب جو بود دیـــــــواری بلنـد                     بر سر دیوار تشنــــــهء دردمند
مانعش از آب آن دیـــــــوار بود                     از پی آب او چو ماهی زار بود
ناگهان انداخت او خشتی در آب                    بانگ آب آمد به گوشش چون خطاب
چون خطاب یار شیرین لذیـــــذ                    مست کرد آن بانگ آبش چون نبیــــذ
از صفای بانگ آب آن ممتحــن                    گشت خشت‌انداز از آنجا خشت‌  کن
آب می‌زد بانــتگ یعنی هی ترا                    فایده چه زین زدن خشتــــی مـــــرا
تشـــنه گفت آبا مرا دو فایده‌ست                    من ازین صنعت نـــدارم هیچ دست
فایـــــده اول سماع بانـــــگ آب                    کو بود مر تشنگان را چــون رباب
بانگ او چون بانگ اسرافیل شد                    مرده را زین زنـــــدگی تحویل شد
یا چو بانـــــــــگ رعد ایام بهار                     باغ می‌یــــابد ازو چنــــدین نگـــار
یا چو بر درویــــــش ایام زکات                     یا چو بر محبوس پیــــــــغام نجات
چون دم رحمان بود کان از یمن                    می‌رسد سوی محــــمد بــــی دهــن
یا چو بــوی یوسف خوب لطیف                    می‌زند بر جان یعقــــــــوب نحیف
فایده دیگر که هر خشتی کزین                    بر کنــــــم آیم ســــوی ماء معیـــــن
کز کمی خشت دیــــــوار بلنــد                     پست‌تر گردد بهــــر دفعـــه که کند
پستی دیـــــــوار قربی می‌شود                     فصل او درمـــان وصلی می‌بــــود
سجده آمد کنـــــدن خشت لزب                     موجب قربی که واسجــــد واقترب
تا که این دیـوار عالی‌گردنست                     مانع ایــــــن سر فرود آوردنســت
سجده نتــوان کرد بر آب حیات                     تا نیـــابم زین تن خاکی نجـــــات
بر سر دیـــــوار هر کو تشنه‌تر                     زودتر بر می‌کند خشــــت و مدر
هر که عاشقتر بود بر بانگ آب                    او کلوخ زفت‌تر کنــــد از حجاب
او ز بانــــگ آب پر می تا عنق                    نشنــــود بیـــگانه جــز بانگ بلق
وهذه  ترجمة النص الفارسي
كان على ضفاف الساقية جدار مرتفع
وحول هذا الجدار وقف عطشان حزين
وكان الجدار مانعاً عنه الماء
وكان عاجزاً كالسمك مشتاقاً للماء
وأصبح ذلك الجدار حجاباً  له عن الماء
وكان أنينه وتضرعه يرتفع إلى السماء
وفجأة القى حجارة في الماء
وأنطلق صوت الماء نحو مسامعه كالخطاب
ومن سماع صوت الماء أصبح ذو تجربة
في القاء وقلع الحجر هناك
وكان الماء ينادي ويقول لك أيها العطشان
ما الفائدة من رمي الحجر
قال العطشان أيها الماء
لن أترك هذا العمل لأن لي فائدتين
الفائدة الأولى هي سماع صوت الماء
الذي هو للعطاشى كان للسحاب
مثل صوت الرعد أيام الربيع
يأخذ البستان منه محاسنه
أو كأن يسمع المجنون عن ليلى حديث
أو كأن يرسل رامين رسالة إلى ويس
الفائدة الأخرى هي أن كل حجرة
أقلعها تقربني صوب الماء المعين
أن تناقض حجر الجدار المرتفع كل
مرة من الحفر والاقلاع يصبح منخفضاً
إلى متى هذا الجدار العالي المتين
عقبة للخضوع والتسليم
فطالما لم تتخلص من هذا الجسد الطيني
فلا يمكن السجود على ماء الحياة

       وهذا النص الاخر الذي يصف روح هذا الصوفي والعالم الكبير والمفعمة بالغليان واللوعة كأنها نار مشتعلة أصابت بلهيبها كل مكان ليس فقط تحرق بقايا الغرور وسائر الرذائل في كل شخص يقترب منه بل ينبعث من ذلك الموقد وميض يزيل به الظلام عن عالم الوجود، وينير كل مكان في لحظة واحدة، وأولئك الذين يدركون هذه اللحظة يمكن لهم رؤية ذلك النور الطاهر والنقي، ومن إشراقة ذلك النور سوف يحصلون على العلم والمعرفة وسف يتعرفون على السر الخفي في خلق الأشياء. بيد أن رجلاً كمولانا وبعظمة وعمق فكره ينبغي الاهتمام به ومن نواحي مختلفة أيضاً، ولا بد الآن أن نقضي معه عدة دقائق ولأجل التعرف أكثر عليه وعلى أفكاره سنستعين بمقطوعاته الغزلية الشيقة ومؤلفاته الأخرى. وكما قيل أن مولانا مستغرق في عالم روحي، وأنه يهتم بظواهر عالم الوجود من حيث تلك الرؤية فحسب والتي تجذبه نحو الحقيقة الخفية في تلك الأشياء.

وكما يقول:-
«گر تو را از غيب چشمي بـــاز شد
با تــــو ذرّات جهان همــــراز شد
نطق آب و نطق خاك و نطق گـــل
هست محسوس حــــواس اهل دل
جـمله ذرات عـالـــــــم در نهان
با تـــــو مي گويند روزان و شبـان
مــا سميعيم و بـــصيريم و خوشيم
بــــا شما نـــامحرمان ما خامشيم
چـــون شما سوي جمادى مى رويد
محرم جــــــان جمادان كى شويد
فاش تسبيح جـــــــمادات آيدت


اذا انكشف الغيب لك
فان كل ذرات العالم سوف تناجيك
فالماء ينطق والطين والازهار
      ويشعر بها اهل القلوب الصادقة
فجميع ذرات العالم تقول لك بلسان حالها
طيلة الأيام والليالي
فنحن نسمع ونبصر ونفرح
لكن نحن صامتون لأنا عنكم في غربة
وحينما تتوجه نحو الجماد
وتصبح قريباً منه روحاً
فيتجلى لك تسبيحه

       ثم نرتقي الى الشاعر حافظ الشيرازي وارشاداته في البناء الروحي وترك عبادة الهوى والنفس وهو شاعر فارسي ولد ما بين سنتي (1310-1337) ميلادي حوالي (727-792 هجري) في شيراز، فارس و هو من أشهر الشعراء الفرس وكان يوصف بشاعر الشعراء ودواوينه وقصائده موجودة في بيوت أغلب الأيرانيين الذين يقرأونها ويستعملونها كأمثال وحكم حتى يومنا هذا. كانت حياته وقصائده موضع كثير من التحليلات والتعليقات، التي كان لها تأثير كبير على الشعر الفارسي أكثر من اي شخص أخر امتد تأثيرها إلى ما بعد القرن الرابع عشر. إنّ المواضيعَ الرئيسيةَ من غزليات الشيرازي كانت عن الحب ، تعرية نفاقَ أولئك الأشخاص الذين وَضعوا أنفسهم كأولياء للأمور وحكماء ، وأمثلة عن الاستقامةِ الأخلاقية. حيث يقول:-
ای دل مباش یک دم خالی ز عشق و مستی                   وان گه برو که رستی از نیستی و هستی
گر جان به تن ببینی مشغــــــول کار او شو                  هر قبله‌ای که بینی بهتر ز خودپرستی
با ضعف و ناتوانی همچون نسیم خوش باش                   بیماری اندر این ره بهتر ز تندرستی
در مذهب طریقت خامی نشــــان کفر است                آری طریق دولت چالاکی است و چستی
تا فضل و عقل بیـــــنی بی‌معرفت نشینی                             یک نکته‌ات بگویم خود را مبین که رستی
در آستان جانـــــان از آسمان مینــــــدیش                              کز اوج سربلنـــدی افتی به خاک پســـتی
خار ار چه جان بکاهد گل عذر آن بخواهد                سهل است تلخی می در جنب ذوق مستی
صوفی پیاله پیــــما حافظ قرابه پرهیـــــــز               ای کوتـــه آستینـــان تا کی درازدســــــتی
     فقد اختار حافظ طريقاً لأن يعرج بفكره السامي الذي تميز به بحثاً عن الحقيقة المطلقة. دون أن يكون لأي أحد الفضل في تعليمه ودون أن يستعمل الوسائط المعتادة للكشف عن الحقيقة كما فعل الآخرون، وأن يتحمل عناء الرياضة والمجاهدة، وأن يستمد العون من صفاء سريرته لفهم وإدراك جمال الملكوت، وحينما يدرك أن جوهر الحقيقة بعيد عن متناول الإنسان، وأن سعي الإنسان لفهم سر الخليقة والإرادة الإلهية لم يبلغ غايته، لم يكل فكره ولم يتعب، وحينما يخرج من المراحل الأولى لعالم التفكر والتأمل حاصلاً على السعادة في الطمأنينة الروحية، محرراً نفسه من هواجس العقل وعذاب الفلسفة قائلاً:
ترجمة النص:-
أيها القلب لا تكن غافلاً عن الهوى والسكر لحظة
وحينها فأذهب فأنك تحررت من العدم والوجود
فإن تنظر للجسد فمن الخير رؤية الروح فأنشغل بها
فكل قبلة تراها هي خير من عبادة الهوى والنفس
فكن سعيداً بهذا الضعف والعجز كالنسيم متمايلاً
فأن المرض والعلة خير من السلامة والعافية في هذا الطريق
إن السذاجة في هذا النهج دليل الكفر وعلامته
نعم أن طريق السعادة في البراعة والحزم
ولكي ترى الفضل والعقل فأجلس متسائلاً مستفسراً
حتى أقول ك مسألة واحدة إن غاية الوجود أن تعرف نفسك
وعند أعتاب الحبيب لا تفكر في ملكوت السماء
فإن فكرت فأنك ستقع من أوج الرفعة إلى الحضيض
وإن كان الشوك يؤذي الروح لكن الورد يبغي لها عذراً
ومرارة الخمرة لا قيمة لها مقابل لذة الشراب
فيا أيها الصوفي املأ القدح ويا حافظ تجنب مقاربتها
فيا ذوي الأكمام القصيرة  إلى متى هذا التجاوز والتطاول
      ثم نقطف من عبد الرحمن الجامي أزهاره في الحث على التواضع والخضوع الى البارئ الخالق ومشيئته ونبذ التكبر التي هي آفة الانسان ودماره وانحطاطه، وعبد الرحمن الجامي (817-998هـ / 1414-1492م ) من مشاهير شعراء فارس وكتابهم في القرن التاسع الهجري و قد ترجم له سلفستر دو ساسي كتاب نفحات الأنس والمستشرق وينفيلد شواهد النبوة واللوائح كما ترجمت بقية أعماله إلى اللغات الأوربية.      حيث يقول:-

والی مصر ولایت، ذوالنون
آن به اسرار حقیقت مشحون
گفت در مکه مجاور بودم
در حرم حاضر و ناظر بودم
ناگه آشفته جوانی دیدم
نه جوان، سوخته جانی دیدم
لاغر و زرد شده همچو هلال
کردم از وی ز سر مهر سؤال
که مگر عاشقی؟ ای شیفته مرد!
که بدین گونه شدی لاغر و زرد؟
گفت: آری به سرم شور کسی‌ست
که‌ش چو من عاشق رنجور بسی‌ست
گفتمش: یار به تو نزدیک است
یا چو شب روزت از او تاریک است؟
گفت: در خانهٔ اوی‌ام همه عمر
خاک کاشانهٔ اوی‌ام همه عمر
گفتمش: یک‌دل و یک‌روست به تو
یا ستمکار و جفاجوست به تو؟
گفت: هستیم به هر شام و سحر
به هم آمیخته چون شیر و شک»
گفتمش: … جا افتاده
جا افتاده
لاغر و زرد شده بهر چه‌ای؟
سر به سر درد شده بهر چه‌ای؟
گفت: رو رو، که عجب بی‌خبری!
به کزین گونه سخن درگذری
محنت قرب ز بعد افزون است
جگر از هیبت قرب‌ام خون است
هست در قرب همه بیم زوال
نیست در بعد جز امید وصال
آتش بیم دل و جان سوزد
شمع امید روان افروزد

وترجمة هذا النص كما يلي:-
كان ذو النون المصري  ولي من الأولياء
ذلك لأنه كان مخزن اسرار الحقيقة
قال كنت في جوار الكعبة
في الحرم حاضراً وشاهداً
وفجأة رأيت شاباً مضطرب الأحوال
ما رأيت فتى قوياً بل معذباً هالك
كالهلال نحيف مصفر ذابل
فسألته عن سر محبته
أنك أيها الرجل المحب سوى عاشق
الهذا السبب أصبحت هزيلاً ذابل الوجه؟
قال نعم فانا حديث العهد فشاور أحداً
أن يكون مثلي عاشقاً معذباً بل أكثر
فقلت له الحبيب منك قريب
اجاهل عنه أم أنت في ظلام ليلك؟
قال أنا طيلة العمر في بيته
فقلت له محب لك مخلص
أم ظالم لك جاف
قال نحن كل ليل وفجر
معاً في الوصال كمزيج
قلت له حبيبك أيها الحكيم
معك على الدوام في البيت
اذن ولأجل ماذا أصبحت ضعيفاً هزيلاً؟
ولأجل ماذا أصبح الجميع في عذاب وألم؟
قل أذهب أذهب ما اعجبك من جاهل
فمن الخير أن تعرض عن هذا الحديث
فمحبة القرب والوصال أكثر من البعد والهجران
فالكبد من حسرة قربه دامٍ
فكل الخوف في قربه إلى الزوال
لكن في البعد ليس سوى أمل الوصال

وهذا نص فارسي آخر صورة اخرى
خارکش پیری با دلق درشت
پشته‌ای خار همی برد به پشت
لنگ‌ لنگان قدمی برمی‌داشت
هر قدم دانهٔ شکری می‌کاشت
کای فرازندهٔ این چرخ بلند!
وی نوازندهٔ دل‌های نژند!
کنم از جیب نظر تا دامن
چه عزیزی که نکردی با من
در دولت به رخم بگشادی
تاج عزت به سرم بنهادی
حد من نیست ثنایت گفتن
گوهر شکر عطایت سفتن
نوجوانی به جوانی مغرور
رخش پندار همی‌راند ز دور
آمد آن شکرگزاری‌ش به گوش
گفت کای پیر خرف گشته، خموش!
خار بر پشت، زنی زین سان گام
دولتت چیست، عزیزی‌ت کدام؟
عمر در خارکشی باخته‌ای
عزت از خواری نشناخته‌ای
پیر گفتا که: چه عزت زین به
که نی‌ام بر در تو بالین نه؟
کای فلان! چاشت بده یا شام‌ام
نان و آبی (که) خورم و آشامم
شکر گویم که مرا خوار نساخت
به خسی چون تو گرفتار نساخت
به ره حرص شتابنده نکرد
بر در شاه و گدا بنده نکرد
داد با اینهمه افتادگی‌ام
عز آزادی و آزادگی‌ام
وترجمة النص كما يلي:-
حطاب شيخ مسن ذي جبة خشنة
يحمل على ظهره حملاً من حزمة شوك
كان يعرج في مشيته
وفي كل خطوة يغرس بذرة سكر
قائلاً فيا رافع هذه السماء العالية
ويا راحم القلوب الحزينة
فأمعنت النظر إليه من أعلاه إلى أسفله
ما أكرمه فلم يعبأ بي
قائلاً تكرم على وجهي بالغنى والسلطان
وتوجني بتاج العز والصولجان
ليست غايتي ثنائك ومدحك
فجوهر شكر عطائك الطاعة والانقياد
ومن بعيد كان فتى شاب يجري مغروراً صاعراً خده متكبراً
جاء إلى مسمع ذلك العبد المطيع صوت
قائلاً أيها الشيخ الخرف ما بالك أصبحت صامتاً!
يا من ضيع العمر هباءاً في حمل الحطب
فلم تعرف معنى العزة عن المهانة؟
تسير والحطب تحمل أنت على هذه الحال
فأي عزة وكرامة لك وليس لك مال؟
فقال الشيخ فأي عزة أفضل من هذه
فأنا لست على الوسادة اتقلب بل أفضل
فأقول يا فلان فاعطني غدائي وعشائي
فها أنذا آكل وأشرب خبزاً وماءً
فاثني وأشكر الله إذ لم يجعلني مهاناً
ذليلاً مثلك ضعيفاً مرتهناً
فأنا محتاج فقير إلى حد العويل
فالعز أن أكون حراً طليقاً ونجيباً أصيلاً

     ثم نجول في عالم باباطاهر الهمداني الذي يشير الى الصراع بين الفرق والطوائف وهذا الصراع الذي يحول دون وصول الانسان الى حقيقة الاشياء وبابا طاهر هوشاعر صوفي فارسي عاش في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي. ويلقب أحياناً بالهمداني، وأحياناً باللوري، نسمة إلى بلاد لورستان.
      حيث يشير الشاعر إن الحوار سنة إلهية وفطرة فطر الله تعالى عليها خلقه، فلا يهمله إلا مخالف للفطرة التي فطره الله عليها، ونعني بالإهمال هنا عدم استنفاد الوسع في حل المشكلات بالحوار واللجوء قبل ذلك إلى القوة، كما حدث ولا يزال يحدث في هذا العالم المليء بالصراع، الخاوي من ثقافة الحوار والتسامح في كثير من صراعاته وخلافاته المتزايدة يوماً بعد يوم فمقطوعات هذا الرجل عميق الفكر والتي على وزن (الدوبيت) بسيطة وسلسة جداً. جاعلة كل شخص يمتزج مع فكره الساطع بحرية دون أن يطلق لنفسه الخيال والتأمل، والشاعر بابا طاهر عزف عن مال الدنيا، وكما أنه أيضاً قدم كل ما يملك من فكر وتجربة بين الأيدي الآخرين طوعاً، ومن هذا الوجه فأن التمييز بين ما هو من بنات أفكاره وبين ما يدعيه الآخرون له صعب جداً. وحيثما يذهب بحثً عن الحقيقة المطلقة، يعتبر المودة والتآسي والتعاطف والرفق والابتعاد عن التعصب ونبذه، من أول الشروط لهذا العروج الروحاني وكما يقول: (بابا طاهر) وكما هو لسان الغيب حافظ الشيرازي بريء متنفر من الصراع بين الأثنتين والسبعين فرقة، وهذا الصراع هو الحائل دون وصول الإنسان إلى الحقيقة والاهتداء إلى حضرة الخالق الأزلية، وفي اعتقاده أن الفكر العرفاني قد نهل من منبع العشق الطاهر العذب، وأنه سيصل إلى الإيمان بيقين وصدق، وأن علم العرفان ومعرفة الله ليس خاصاً بفرقة أو طائفة معينة.
خوشا آنانکه پا از سر ندونند
مثال شعله خشک وتر ندونند
کنشت و کعبه و بتخانه و دیر
سرائی خالی از دلبر ندونند
ترجمة النص:-
طوبى للعاشقين الحيارى
غير آبهين بتوقد أو خمود نارٍ
كنيسة وكعبة ومعبد ودير قسيس
لا بيت قط منها خال من محبوب أنيس
نص آخر:-
اگر مستان مستقیم از تو ایمون
اگر بی پا و دستیم از تو ایمون
اگر گبریم و ترسا ور مسلمون
به هر ملت که هستیم او توایمون
ترجمة النص:-
لو أننا في أشد حالات السكر فأنا بك مؤمنون
وإن كنا في حالة العجز كذلك إليك متوجهون
وسواء كنا مجوساً أو نصارى أو مسلمين
وعلى أي مذهب وملة نكون فنحن بك مؤمنون
     واخيراً نحط رحالنا عند الشاعر هاتف الاصفهاني وحوار بين الاديان ، والفكر الديني الراقي للحوار المستمد من فكر الامام علي عليه السلام ومنهجه. وهاتف الأصفهاني (ت. 1198 هـ) هو طبيب و شاعر ، من أهل اصفهان. وهو السيّد أحمد الحسيني الاصفهاني ، المتلقّب في شعره بهاتف. ولد في اصفهان ، ثم رحل إلى النجف وسكنها مدة ، ثم عاد إلى أصفهان كما أقام بكاشان ، و توفي في كاشان سنة 1198 هـ. له ديوان شعر ، ونظم بالفارسية والعربية.
       روح هذه النصوص التالية نجدها في ما كتبه الإمام علي بن أبي طالب،إلى عامله على مصر مالك الاشتر،الذي عرف بعد ذلك بعهد الاشتر، بالإنصاف والرفق،بأهل الجزية من أهل الذمة ومسلمة الناس، لذا ان الثقافات والحضارات وأدبيات الحياة هي في الحقيقة تجلّيات للعقيدة الدينية، أو هي مظاهر متنوعة لجوهر واحد هو الدين الذي تدين به الحضارة فيتجلى في مفردات حياتها، ولهذا فإن حوار الحضارات يشمل الحوار الديني ضرورة، حيث فتح الإسلام الباب واسعاً لمحاورة أهل الديانات الأخرى. وحـوار الحضارات بمرحلتين أساسيتين: الأولى: التعارف وفهم الآخر، والثانية: محاولة الدعوة أو الإقناع والتأثير في الآخر لكسبه إلى عقيدتنا، ومن هنا فأن الحوار فن صناعة العقول والأجيال، وإنه السبيل الأول لبناء أمة قوية في كل نواحي الحياة، وقد اتسع مفهوم الحوار دائماً عبر التاريخ مع تطور نظم الحياة والثقافة والفكر، وصرنا نجد في أدبيات الثقافة المعاصرة مصطلحات متعددة تتخذ من الحوار منطلقاً لها، ومنها على سبيل المثال حوار الحضارات والثقافات وحوار الأديان والحوار مع الذات والحوار الاجتماعي والحوار السياسي.
    وقد انطلقت استراتيجية التعامل الحضاري في التاريخ الإسلامي من هذا المفهوم، فلم يقم المسلمون بإجبار الآخرين على تغيير معتقدهم، ولا يذكر التاريخ أن فترة أو حاكماً أو مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي شهدت عمليات إرهاب ديني أو قمع مذهبي. ويؤكد هذا وجود عدد من الأديان والطوائف والمذاهب تمتعت بحرياتها خلال المراحل المختلفة لحكم الإسلام عبر أربعة عشر قرناً.
       ومن بين الآثار الادبية ايضاً والتي تشير الى نظرية كينونة الوجود وانتشارها بين الاديان والثقافات المختلفة هي اشعار هاتف الاصفهاني والتي تشير الى سعي وجهود هذا الشاعر العرفاني الصوفي بتوجيه فكرة التثليث في المسيحية نحو التوحيد الاسلامي بأعتبار الاب والابن وروح القدس هي تجليات الواحد الازلي الاحد، وهي مشابهة لفكرة ونظرية الفيض الالهي لصدر الدين الشيرازي كما اسلفنا، بيد ان المسيحية اعتقدت ان الله كامن في هذه الصور الثلاث تحديداً.
     وهاتف الاصفهاني هنا في شعره يبرر للمسيحية فكرة التثليث من خلال الرؤية الصوفية بتوجيهها نحو التوحيد الاسلامي وفقاً للفكر الاسلامي المتسامح وكما اوضحنا في الرواية التي نقلناها عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ورؤيته في عبادة الاديان الاخرى. والواقع أن الحركة الروحية فى الإسلام، أى التصوف، تجد موازيات عديدة فى حركات روحية مماثلة فى سائر الأديان العالمية. وهذا لأن كل دين منها يحتوى فى داخله على بُعد روحِى أو صوفِى (mystic)، كما يُسمَّى فى اللغات الغربية. وقد أشار الكثير من الباحثين إلى أن هناك عددًا وافرًا من الموازيات المدهشة العجيبة بين التيارات الروحية العالمية المختلفة. إذن، فالتصوف الإسلامى لا يأتى يتيمًا فى تاريخ البشر، إنما يأتى فى انسجام واسع وتناغم عجيب مع التيارات الروحية الدينية الأخرى. هذا مما يجعلنا نبحث عن المشترك العام لتلك التيارات الروحية العالمية وأن نوضِّح، ولو قليلاً، المصدر والماهية لذلك البعد الصوفي أو الروحي الذى يبدو متأصلاً فى صميم الكائن البشري، بقدر ما هو كذلك، عبر الزمان والمكان فالتصوف فى الأفق الوجودي الإنساني يعتبر ان الانسان، وهو الكائن المتسائل بامتياز، فى بحث دائم دؤوب عن معنى وجوده. ولا يجد إجابة مقنعة على تساؤلاته هذه إلا فى الخبرة الدينية الصحيحة، وخاصة فيما يُعتبر جوهر هذه الخبرة الدينية، وهى الخبرة الروحية الصوفية (mystic). وهذا لأن الإنسان من خلال الخبرة الصوفية يتقابل فى أعماق ذاته مع المصدر الأول لوجوده، وهو فى الوقت نفسه هدفه الأخير، هو المطلق، الله.. ومن هنا تأتي الجدلية الاخرى التي تربط الاديان فيما بينها للوصول الى الحقيقة المطلقة، حيث يروى عن امير المؤمنين علي ابن ابي طالب وهو رمز اهل التصوف والعرفان ، حينما عاد من حرب الخوارج في النهروان ومر على دير للنصارى فقال احد اصحابه لطالما عُصي الله في هذا المكان فقال له الامام لطالما عُبد الله في هذا المكان  اي ان النصراني يبحث عن الله في هذا المكان.
      وهذه نماذج من شعر الاصفهاني وهو يخاطب حبيبته النصرانية وقد تكون تلك العلاقة المجازية قد قادته نحو العشق الالهي والانقطاع الى منبع الجمال والنقاء كله ويحكي احد المقاطع الجميلة عن هذه الحالة وهو الدليل على صدق هذا الرأي فيقول هاتف:
از تو ای دوست نگسلم پیوند
ور به تیغم برند بند از بند
الحق ارزان بود ز ما صد جان
وز دهان تو نیم شکرخند
ای پدر پند کم ده از عشقم
که نخواهد شد اهل این فرزند
پند آنان دهند خلق ای کاش
که ز عشق تو می‌دهندم پند
من ره کوی عافیت دانم
چه کنم کاوفتاده‌ام به کمند
در کلیسا به دلبری ترسا
گفتم: ای جان به دام تو در بند
ای که دارد به تار زنارت
هر سر موی من جدا پیوند
ره به وحدت نیافتن تا کی
ننگ تثلیت بر یکی تا چند؟
نام حق یگانه چون شاید
که اب و ابن و روح قدس نهند؟
لب شیرین گشود و با من گفت
وز شکرخند ریخت از لب قند
که گر از سر وحدت آگاهی
تهمت کافری به ما مپسند
در سه آیینه شاهد ازلی
پرتو از روی تابناک افگند
سه نگردد بریشم ار او را
پرنیان خوانی و حریر و پرند
ما در این گفتگو که از یک سو
شد ز ناقوس این ترانه بلند
که یکی هست و هیچ نیست جز او
وحده لااله الاهو
چشم دل باز کن که جان بینی
آنچه نادیدنی است آن بینی
گر به اقلیم عشق روی آری
همه آفاق گلستان بینی
بر همه اهل آن زمین به مراد
گردش دور آسمان بینی
آنچه بینی دلت همان خواهد
وانچه خواهد دلت همان بینی
بی‌سر و پا گدای آن جا را
سر به ملک جهان گران بینی
هم در آن پا برهنه قومی را
پای بر فرق فرقدان بینی
هم در آن سر برهنه جمعی را
بر سر از عرش سایبان بینی
گاه وجد و سماع هر یک را
بر دو کون آستین‌فشان بینی
دل هر ذره را که بشکافی
آفتابیش در میان بینی
هرچه داری اگر به عشق دهی
کافرم گر جوی زیان بینی
جان گدازی اگر به آتش عشق
عشق را کیمیای جان بینی
از مضیق جهات درگذری
وسعت ملک لامکان بینی
آنچه نشنیده گوش آن شنوی
وانچه نادیده چشم آن بینی
تا به جایی رساندت که یکی
از جهان و جهانیان بینی
با یکی عشق ورز از دل و جان
تا به عین‌الیقین عیان بینی
که یکی هست و هیچ نیست جز او
وحده لااله الاهو
ترجمة النص:-
لن أنقض العهد معك أيها الحبيب
ولو قطعوني إرباً ارباً
حقاً أن آلاف الأرواح منا
فداءاً لابتسامة صغيرة من فمك العذب
فكفاك يا أبتي نصحاً عن العشق
لأنه لن يكون ولدك أهلاً له
فيا من يعظون الناس وينصحون
فليتهم يعظوني عن عشقك
وإني أعلم طريق مقام السلامة والعافية
فماذا أفعل وقد وقعت في الشرك
فقلت لفاتنة من قوم عيسى في الكنيسة
أيها القلب أني أسير شباكك دون أنيس
فيا من له سيف بتار ومن زنارك
ومن علائقه وقيوده يخلصني
إلى متى الضلال عن الوحدة والوحدانية
فدع عنك عار التثليث وحتى متى تنسبها للواحد؟
فمن اللائق ذكر الحي الواحد الأحد
فلماذا ذكر ودعوة التثليث؟
فأنسابت ابتسامة من شفاها العذبة
فتحدثت وقالت لي
لو أنك مطلع عارف بسر الوحدة
لما رميتنا بتهمت الكفر
لقد ألقى المعشوق الأزلي في تلك المرايا الثلاث
بإشراقة من نوره الساطعة
فإن خيوط الحرير في الأصل واحدة لا ثلاث
إن كنت عارفاً للحرير ونقوشه
وبينما نحن في هذا الحوار إذ علت
نغمة نشيد من ناقوس مدوية
أحد هو لا أحد سواه
وحده لا إله إلا هو
افتح عين القلب وانظر الروح
فانك سترى مالا يرى
لو انك تسعى نحو مقام العشق
فسترى كل الافاق بستان ورد
وانك سترى ما تتمناه
فانظر الى ما تتمناه
فان كنت تريد رؤية سر العالم
فاسع مستجديا  هناك ولهانا
فسترى الاسرار باجمعها
دون حجب عن العرش وفلك الافلاك
فستراهن تارة بوجد وتارة بذكر سماع
وللكونين فشمر عن اكمام رداءك وارقص
فاذا تشق قلب كل ذرة
فانك سترى شمسها في الاعماق
وان كنت تتلظى بنار العشق
فانك سترى ان العشق كيمياء  الروح
فستسمع كل ما لم تسمعه اذن
وسترى كل ما لا تراه عين
فانظر الى العالم والخلق اجمع بنظرة
تبلغ بك الى حقيقة واحد
فكن عاشقا من أعماق قلبك وروحك
للأحد الواحد حتى تراه بعين اليقين
احد هو لا احد سواه
وحده لا اله إلا هو

استنتاج وتوصيات
       الحضارة العالمية حصيلة جهد إنساني مشترك، أسهمت فيه جميع الشعوب، واضطلعت فيه الترجمة بدور الوسيط الفاعل المؤثر في التعارف والتعاون بين مختلف الجماعات البشرية، وتخصيب معارفها وتلاقحها. فبالترجمة تمكّنت الأفكار من التحليق في عوالم جديدة وكُتب لها البقاء والانتشار والنماء. وبالترجمة استطاعت شعوب كثيرة أن تواكب تطور المعرفة وتقف على عتبة الحداثة، وتحقق تقدّمها ورفاهيتها. وبالترجمة نقدر أن نعرف الآخر وندرك الذات ونقيم حواراً بناء ينهي التنازع ويؤسس سلاماً ينعم فيه الجميع.
       ولكن ينبغي التنبيه إلى أن قدرة الترجمة على تحقيق التفاعل الثقافي المنشود يتوقف على كميتها ونوعيتها وانتقائيتها وغائيتها، وعلى رغبة المجتمع في الانفتاح على الآخر والإفادة منه وإرادة قياداته في التغيير والتطوير. وهذا ما يجعل الترجمة من أهم بنود السياسة اللغوية للأمة وإستراتيجياتها الثقافية والتنموية. وكثيراً ما تبقى الترجمة مجرد كتابات معزولة لا تؤطرها منظومة فكرية فتعجز عن بلوغ المراد.
      وعلاوة على ذلك، فإن الترجمة الجيدة لا تحقق التفاعل الثقافي بطريقة متساوية وتلقائية، وإنما قد ينتج عنها تغلغل ثقافي في اتجاه واحد، لأن الثقافة المُنتِجة تكون أبعد أثراً في الثقافة المُستهلكة. وثقافتنا العربية في الوقت الراهن هي ثقافة مستهلكة، ولا أثر يُذكر للترجمة، من العربية إلى اللغات الاخرى ، في الفكر المعاصر.

المصادر
1.      تجليات عرفان در ادبيات فارسى ( التجليات العرفانية في الادب الفارسي)، لطفعلي صورتگر، طهران، 1345
2.      زرین کوب, دکتر عبد الحسین, جستجو در تصوف ایران,دکتر عبد الحسین تهران,1385.
3.      زرین کوب,دکتر عبدالحسین نه شرقی نه غربی انسانی, تهران,1361
4.      سجادی, دکتر سید ضیاءالدین,مقدمه ای برمبانی عرفان وتصوف,تهران 1376
5.      صبور, دکتر داریوش,عشق وعرفان,تهران,1349
6.      نصر ,سید حسین ,علم وتمدن در اسلام , تهران 1350
7.      نفیسی  سعید ,جستجو در احوال وآثار عطار نیشابوری , تهران 1320
8.      پورنامداریان, تقی,رمز وداستانهای رمزی , تهران 1375
9.      پورنامداریان, تقی ،در سایۀ آفتاب، تهران،1380
10.   براون، ادوارد، تاريخ ادبيات ايران(از صفويه تا عصر حاضر)، تهران،1369 .
11.  براون، ادوارد، تاريخ ادبيات ايران(از فردوسى تا سعدى)، تهران،1366.
12.   ذبيح الله صفا، تاريخ ادبيات ايران، تهران، 1374 .
13.   سيروس شميسا، سبك شناسى شعر، تهران، 1382 .

14.   بهاء الدين خرمشاهي، ديوان حافظ ، تهران، 1379 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق